اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الماء أكبر من اليابس على الكرة الأرضية، فالماء المالح يغمر نحو ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية ويتصل بعضه ببعض، ويشغل اليابس الربع. وتقسيم الماء على هذا النحو لم يجئ مصادفة ولا جزافاً، فهو مقدر تقديراً عجيباً
بينهما برزخ لا يبغيانوهذه بعض آيات الله تعالى في البحر.
قال تعالى: {
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ { 19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ { 20} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 21} يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ { 22} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ { 23} وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ { 24} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ... [الرحمن: 19 - 25].
اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون الماء أكبر من اليابس على الكرة الأرضية، فالماء المالح يغمر نحو ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية ويتصل بعضه ببعض، ويشغل اليابس الربع. وتقسيم الماء على هذا النحو لم يجئ مصادفة ولا جزافاً، فهو مقدر تقديراً عجيباً، وهذا القدر الواسع من الماء المالح هو اللازم بدقة لتطهير جو الأرض وحفظه دائماً صالحاً للحياة، ويقول العلماء: " وعلى الرغم من الانبعاثات الغازية من الأرض طوال الدهر ـ ومعظمها سام ـ فإن الهواء باق دون تلوث في الواقع ودون تغير في نسبته المتوازنة اللازمة لوجود الإنسان ".
ومن هذه الكتلة الضخمة الواسعة تنبعث الأبخرة تحت حرارة الشمس، وهي التي تعود فتسقط أمطاراً يتكون منها الماء العذب في جميع أشكاله.
وتصب جميع الأنهار تقريباً في البحار، وهي التي تنقل إليها أملاح الأرض فلا تغير طبيعة البحار ولا تبغي عليها.
واللؤلؤ والمرجان المذكوران في الآية هما من أعجب المخلوقات البحرية التي تنطق بعظمة الله تعالى وقدرته، والمتأمل فيما في البحر من مخلوقات وما سخر الله تعالى في جوفه، يجد العجب العجاب، والحكمة الإلهية، والعظمة الربانية!.
قال تعالى: {
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } ... [النحل:14].
ومن إعجاز القرآن العظيم في البحر قوله تعالى: {
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ { 19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ } ... [الرحمن: 19 ، 20]، وقوله تعالى: {
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً } ... [الفرقان: 53].
وهذا ما أثبته العلم الحديث، بعد دراسة ورحلة علمية استمرت ثلاثة أعوام وهي تجوب بحار العالم.
فبين البحار والأنهار برزخ وفاصل مائي يفصل بين البحر والنهر، وبين البحار بعضها البعض فاصل وبرزخ يفصل بينها. فسبحان الخلاق العظيم، وتبارك الواحد العظيم!!.
وجعلنا من الماء كل شيء حيومن أعظم آياته هذا الماء الرقراق، والسلسبيل المتدفق، الذي به قوام الحياة، وأساس البقاء: {
وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } ... [الأنبياء:30]، والماء بناؤه غريب وخبره عجيب، فإذا تدفق الماء، وأقبلت أمواجه، أقبل معه البشر والعطاء والنماء والرغد والهناء، بالماء تقوم الحقول، وتتكاثر الحبوب، وتميس الحدائق، وتهمهم الجداول، وتتراقص الخمائل، وتشدو البلابل، وتتمايل السنابل.
يأتي إلى أحبابه فيميس بين الزهور، ويتجول في الحدائق، كَيَدِ الطبيب على جفن المريض، ويقبل إلى أعدائه فيزبد ويرعد، ولا تمنعه السدود، ولا ترده الحدود، فيكسر الجسور، ويقتلع الصخور، ويدمر البيوت، ويجعل عاليها سافلها حتى يأذن الله بسكونه، ويأمر بهدوئه، قال تعالى: {
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي } ... [هود: 44]،فهو جندي من جنود الخالق.
من سيول يمجـها الواديـان وثلـوج يذيبهــا العصـران
ذو استواءٍ إذا جرى والتواءٍ هل تأملت مزحـف الأفعـوان
فهو حيث استدار وقفُ لجينٍ وهو حيث استطار سيفُ يمانإن مسته رحمة الله كان لطفاً وهناءً وبركة، وإن مسه غضب الله كان دماراً وهلاكاً وسخطاً ونكداً، قال تعالى: {
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِيk} ... [الأعراف:84].
وقال تعالى: {
وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً } ... [الفرقان: 40].
إن الله تعالى يسلط حرارة الشمس على المحيطات والبحار فتتبخر فيصعد إلى السماء ماءً عذباً لا ملوحة فيه، فسبحان الله العظيم، يرفع ماء البحر بخاراً ولا يرفع معه الملح الممتزج به! {
أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ { 68} أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ { 69} لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ } ... [الواقعة: 68 - 70] ـ أجاجاً يعني: مالحاً لا يطاق ولا يشرب ـ ومن حكمة الله أن هذا البخار المتصاعد في السماء لا يستمر في صعوده إلى القمر أو المريخ فيصب هناك وتحرم منه الأرض، بل يتكثف في طبقات الجو العالية، حيث درجة الحرارة منخفضة، ويرفع في السماء لكي يبتعد عن مستوى الجبال لئلا تعوق انتقاله من بلد إلى بلد، فبعد أن يتكون السحاب الركامي، ويتكثف ويتجمع ويصدر أمر الله إليه، يهبط حيث يريد مولاه، ويأمره خالقه {
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ { 48} وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } ... [الروم: 48 ، 49].
ومن لطف الله تعالى بعباده أن ينزل عليهم هذا الغيث بقدر، فلو سقطت جبال السحاب الكثيفة الهائلة كما هي لهلك الناس.
هذا الذي أنزل سيلاً في البلد فكيف لو صَبَّ جبالاً من بردْ
أنزلـه رفـقاً بنـا مـدْرارا وبـعضَه سخـره أنــهاراًومن لطفه تعالى أنه إذا أنزل الماء لم يبقه متجمعاً فوق الأرض فتصبح الأرض غير صالحة للسير عليها، بل سلكه ينابيعٍ في الأرض وحفظه في الآبار والعيون {
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ } ... [الزمر: 21].
فهو تعالى يحفظ هذا الماء في صحون من الصخور الجوفية من غير أن يغور ويعمق في الأرض {
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ } ... [الملك:30].