وهيك قالوا عن لبنان

رئة الشرق، لؤلؤة الشرق، باريس الشرق، جبهة البحر، شرق الثقافة، مهد الأرز، سفينة الجمال، سفيرة الخيال، عين السماء، وصيَّة الأرض العاشقة…و..و..و… هذه الأوصاف، لا تكفي للإحاطة بروعة هذه الجغرافيا الطبيعية والبشرية، الصغيرة بحجمها، العملاقة بتأثرها وعمقها الحضاريين، لبنان. لم ولن يستطيع الماضي و”الآتي” من الحروب العالمية والإقليمية والأهلية التي مرَّت و(تمرُّ أو “ستمرُّ”) به أن تغتاله. لأن هذه الأرض، هو وطن العشق. فإن اغتيل العشق، اغتيل لبنان. وإن اغتيل لبنان، اغتيل العشق. وهذا ما دفع شاعر الياسمين الدمشقي نزار قباني واصفاً الحبَّ في بيروت: “الحبُّ في بيروت كالله، موجود في كل مكان منها.”. ولأن لبنان لا يعرف أن يكره ويحقد ويبغض، لذا، كان هدفاً لقوى الشرِّ والإرهاب والظلم والظلام، عبر تاريخه، وحتى اللحظة. ومقدور هذا البلد أن لا يكون إلا صامداً، وحصناً للجمال، محصَّناً بالعشق، من خلفه ظهره، يسانده بحره العتيق، ومن أمامه، جباله الحارسة له. يمتلك سماءاً من أرواح شهدائه، وتراباً مجبولاً بدم ودمع أرزه الكليم. مقدور هذا الوطن أن يبقى حيَّاً، كي يبقى الشرق على قيد الحياة، رغمّ أنف كل طغاته.
لبنان عشَّاً لطيور العرب..
غنيٌّ البيان ذكر الدور المحوري الرئيس الذي لعبه لبنان ورجالاته في حقلي السياسية والثقافة العربيين، فيما اصطلح عليه بـ”النهضة العربية” في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إبان الحكم العثماني الذي ترك إرثاً ثقيلاً مقيتاً من الكوارث، قوامه أربعة قرون من الظلم والظلام والفقر والجهل والاستبداد. وغنيٌّ عن البيان أيضاً، كيف كان لبنان وِجهة وملاذ ومأوى حاضن لكل الطيور العربية الفارَّة من أوطانها التي ما أنْ تخلَّصت من نير وظلم واستبداد الاستعمارات والانتدابات الأجنبية، حتى وقعت تحت نير وبراثن الظلم والاستبداد المحلِّي “القومي والوطني”. وفي عزِِّ اشتداد شراسة رحى الحرب الأهلية المستعرة في لبنان، كان هذا البلد، مقصد الطيور العربية المهاجرة من أوطانها، لأن هذه الطيور كانت تفضِّل جحيم حروب لبنان على “نعيم السلم الأهلي والحرِّية والديمقراطية” الذي تتمتَّع به أوطانها. وبالتالي، لم تتخلَّ بيروت_في عزِّ مِحنِها الخانقة_ عن لعب دورها كعشٍّ أو كعاصمةٍ جامعةٍ لحركات المعارضة السِّياسية والثقافية العربية، ناهيكم عن احتضانها لحركات التحرر العالمي. ما جعل لبنان_وحتى الآن_ عرضة للفتن والدسائس والمؤامرات القذرة من النظم العربية الشقيقة له.
إذا تطرَّقنا لهامش الحرِّية في الحياة الثقافة والسِّياسية والإعلامية العربية، يظهر لنا جليَّاً الدور الرِّيادي للبنان وتعبيراته السِّياسية والثقافية ومؤسَّساته الإعلامية في ذلك. وإذا تطرَّقنا للانفتاح والأريحية في الوعي والسلوك الاجتماعي في العالم العربي، يبرز لبنان كالأنموذج الرَّائد، وربما الوحيد، في هذا الإطار. إذا تطرَّقنا لتجارب الدولة الوطنية القائمة على التوافق والشراكة والحضور الفاعل لكل مكونات المتجمع الوطني في صناعة وصياغة القرار السِّياسي والاقتصادي الوطنيين، في العالم العربي، نجد أن التجربة الوحيدة هو لبنان. وعلى الرغم من النقاط السلبية التي تشوب هذه التجربة، إلا أنها الوحيدة والرَّائدة من بين عشرين نظام عربي شمولي استبدادي رجعي. وتالياً، فحضور لبنان الفاعل والمؤثِّر في التاريخ العربي المعاصر واضع للعيان، وسيكون لبنان أيضاً معلِّم المجتمعات والشعوب الشرقية عموماً والعربية خصوصاً، بإعطائه إياها دروساً في كيفية صناعة الحرَّية، ضمن دولة القانون المؤسَّسات. فأنا واثق بأن ماراتون عودة لبنان إلى اللبنانيين الذي بدأ في 14/3/2005، سيلهم الشعوب العربية الأخرى كيف تخلِّص نفساها من ثقافة الخوف والرُّهاب التي أبقتها رهينة هاجس الحرِّية والديمقراطية التي مازالت محرمة منها، بفعل أنظمتها القمعية التوتاليتارية.
اقتصادياً، وعلى الرغم من الوضع المتردِّي للاقتصاد اللبناني، إلا أنه كان يستوعب مئات من القوة العاملة العاطلة عن العمل في بلدانها. فلبنان كان مصدر ومورد زرق الملايين من أسر ومواطني الدول المجاورة له، في وقت كانت الطُغَم الحاكمة الجاثمة على على موارد ومقدَّرات هذه الدول، كانت تنهب وتستأثر باقتصاداتها، وتتعاطى مع هذه الدول الغنية وكأنها ملكية خاصَّة، مطوَّبة باسمها، تركة شعوبها للفاقة والجوع والفقر والتشرُّد والهجرة سعياً وراء الحصول على لقمة العيش. فقد زاد عدد العمال السوريين في لبنان ما يزيد عن750 ألف عامل. كما ناهز عدد العمال المصريين والسودانيين والعراقيين والفلسطينيين…الخ فيه مئات الألوف.
إعلامياً، دائماً كان الإعلام اللبناني سبَّاقاً في إعطاء هامش الحرِّية للرأي والرأي الآخر. وما شهده العالم العربي من تطور نسبي في الحقل الإعلامي مؤخَّراً، كان يستند على الإرث اللبناني. ولا يكاد أي منبر إعلامي عربي مرئي أو مقروء، حتى نجد فيه إعلاميين لبنانيين. وتالياً، لا يمكن لأية جهة إعلامية عربية أن تزايد على الإعلام اللبناني الذي قدَّم جيشاً من الإعلاميين والتقنيين في هذا الحقل الحيوي معرفياً وحضارياً.
لبنان في الذاكرة السَّياسية والثقافية الكردية..
لن ألج في التاريخ عميقاً، بغية الوصول إلى جذور العلاقة الكردية اللبنانية، هذه الجذور التي تمتدُّ من المملكتين الكرديتين قبل الميلاد: المملكة الهورية الميتانية 3000 ق.م، والمملكة الميدية 612 ق.م، وصولاً للعهد الأيوبي. فما يعلمه الكثير من الكرد، ويجهله اللبنانيون أن أهم جمعية سياسية كردية عقب الحرب العالمية الأولى قد تأسست في لبنان. فبعد أن تمَّ حل الجمعيات الكردية كجمعيتي “تعالي كردستان 1918، وآزادي 1922″، وفشل ثورة شيخ سعيد بيران 1925، اضطرَّ غالبية مثقفي وثوار تلك الجمعيتين وتلك الثورة اللجوء إلى سوريا ولبنان ومصر وفرنسا. ولم يبقَ أمامهم إلا إعادة المحاولة بتشكيل جمعية كردية جديدة، ضمَّت في عضويتها معظم الشخصيات المؤثِّرة في الحركة التحررية الكردية آنئذ، فكان ولادة جمعية “خويبون” في بحمدون بلبنان في 5/10/ 1927. هذه الجمعية التي أسَّست أو حضَّرت لانطلاقة انتفاضة كردية جديدة ضد النظام التركي الأتاتوركي، كانت من أهم انتفاضات الكرد في كردستان تركيا في مطلع القرن العشرين، وهي انتفاضة جبل “آغري” التي قادها الجنرال إحسان نوري باشا من 1926 – 1930. وفي فترة الخمسينات والستينات من القرن المنصرم، وحتى اللحظة، كان لبنان متنفَّس للفنانين والموسيقيين الكرد السوريين كـ”سعيد يوسف، محمود عزيز شاكر، الرحال محمد شيخو…” وفنانون آخرون. كما كان لبنان ملاذ للكثير من رموز الحركة الكردية في سوريا، كالسيد صلاح بدر الدين نموذجاً. وربما المحطة الأبرز في العلاقة الكردية اللبنانية تتمثَّل في استضافة لبنان، وعلى مدى أكثر عقد من الزمن، لعشرات الآلاف من كوادر وقيادات الفصائل والحركات الكردية في تركيا عقب انقلاب 12 أيلول الفاشي، سنة 1980 الذي قاده الدكتاتور كنعان إفرين. وعلى راس هذه الحركات حركة حزب العمال الكردستاني التي أعلنت وقادت ثورة مسلَّحة ضدَّ النظام التركي. هذه الحركة التي حالياً يُعتقل زعيمها المناضل عبد أوجلان في سجن انفرادي بجزيرة إمرالي في بحر مرمرة. والجدير ذكره أن أكراد لبنان عموماً ومناضلي حركة أوجلان خصوصاً، كان لهم دور مشرِّف إلى جانب أخوانهم من أحرار لبنان في الذود عن حياضه والدفاع عنه، إبان الغزو الإسرائيلي له سنة 1982، وقدمت حركة أوجلان اكثر من 11 شهيد في مقاومات قلعة شقيف وعشرات الجرحى وعشرات والأسرى لدى إسرائيل.
ثقافياً، كانت للطيور الكردية حصَّتها من حضن لبنان كمثيلاتها من العربية. فكما ذكرت سالفاً: إن لبنان كان ملاذ الفنانين والموسيقيين الكرد في سوريا، كذلك، فقد كان حضناً وراعياً للكثير من النشاطات والفعاليات الكردية، خاصة منها السورية. فالثقافة والفن الكرديين الممنوعان والمحظوران في سوريا، كان يجد اهتماماً ومتنفَّساً في بيروت. وعليه، فقد كانت الثقافة الكردية تتمتَّع بهامش معقول وجيد في لبنان. فقد تأسَّست رابطة “كاوى” للثقافة والفن الكرديين في لبنان في مطلع السبعينات، وتأسَّست الكثير من الروابط والجمعيات الكردية في لبنان كجمعية الأرز الكردية والرابطة الثقافية والإنسانية الكردية اللبنانية. ناهيكم عن منح تراخيص للكثير من المطبوعات الكردية كمجلة ” سورغول – Sorgul “. وبعد اشتداد وطأة قبضة الوصاية السورية على الحياة اللبنانية، تمَّت مداهمة مبنى كل من مجلة سورغول والرابطة الثقافية الكردية اللبنانية، من قبل الأم العام اللبناني بإيعاز من “عنجر” بحجَّة أنها تقوم بدعاية ضدَّ سوريا، ولها علاقة مع حركة أوجلان…الخ. وللأسف، تمَّ إغلاق الرابطة، وسحب ترخيص المجلة واعتقال بعض العاملين فيها. ما لبث أن أعيد الترخيص ثانية للمجلة. والجدير ذكره هنا: هو أن وزارة الثقافة اللبنانية، دائماً كانت ترعى وتدعم احتفالات أعياد النوروز سنوياً، في وقت أن هذه الاحتفالات تلقى ضغوطاً ومضايقات أمنية شديدة جداً في الوطن السوري الحبيب، فضلاً عن رعايتها لبعض النشاطات الثقافية الكردية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، معرض التشكيليين الكرد السوريين في صالة الأونيسكو ببيروت في 2001، ومؤتمر الثقافة والفن الكرديين الذي انعقد الفترة 8 – 11 /3/2002 بصالة توفيق طابَّرا في بيروت، تحت رعاية وحضور وزير الثقافة حينئذ والإعلام الحالي الأستاذ غازي العريضي، بمعيَّة لفيف من النواب والمثقفين والإعلاميين اللبنانيين. هذا المؤتمر الذي كان لي شرف أن أكون احد أعضاء اللجنة التحضيرية له.
السمكة ابتلعت الحوت..
بعد مرور أكثر من نصف قرن على استقلال لبنان، وذلك بجلاء الاحتلال الفرنسي عنه، بدأت هذه الجغرافيا الملتهبة المغلوبة على أمرها، باتخاذ قرار ضمني في الرغبة الجامحة لإعلان ماراتون جديد نحو الحرِّية والاستقلال والسِّيادة، بعيداً عن كل أشكال الوصايات الشقيقة والصديقة. وقد تبلورت هذه الرغبة وطفت على سطح الحراك السِّياسي والثقافي والإعلامي اللبناني في 14/3/2005 عقب اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري. فكان يوم 14 آذار بمثابة الزلزال الذي أذهل وصعق وهزَّ اللبنانيين والعرب والعالم في آن. فقد تحالفت كل سمكات بحر وأنهار لبنان على طرد الأخطبوط “العبري” والحوت “العروبي” من على أراضيه. ما جعل الحوت يهيج ويثور ويفور واعداً مهدِّداً مندِّداً، فتتالت قرابين لبنان على مذبح حرِّيته واستقلاله الوطني الثاني، مؤكِّدةُ على أنه ينبغي أن يعي أعداء وأشِّقاء وأصدقاء لبنان، أن السمكة قد ابتلعت الحوت، وأن أبو قاسم الشَّابي كان على حقَ، حين قال:
“إذا الشَّعبُ يوماً أراد الحياة فلا بُدَّ أن يستجيب القدر.
ولا بُدَّ للـيـلِ أن ينجلـي ولا بُدَّ للقـيدِ أن ينكسر.
فمنْ يهِبْ صـعودَ الجبـال يعشْ أبدَ الدهر بينَ الحفر.”.
غنته فيروز
https://www.youtube.com/watch?v=cmXsamhgnws
غناه وديع الصافي
غنته صباح
فغناه كل الموسيقين ولحنه كل الملحنين وعلمه يرفرف في كل العالمين

السلام عليكم
مشكووور محمد على هذا الموضوع بارك الله فيك
و
جزاك الله كل خيير

اهلا وسهلا
وبارك الله فيك
وجزاكي الله خيرا

» سكان لبنان
» صور عن لبنان
» هذه بعض الصور عن لبنان
» كان لبنان لكم مروحة
» قصيدة لبنان