رمضان .. ها أنت !!

بسم الله الرحمن الرحيم

رمضان .. ها أنت !!

تعبت النفس من انشغالاتها وملت من عاداتها المقيتة ،

ودارت دورة الزمان عليها ، فانثنت منكفئة نحو ضمور الروح ، وركود الإيمان فيها .

تاهت في دنيا المراتع الآثمة ، واستسلمت لنداء الفتور ،

وارتضت عيش الخامل القانع بفتات الموائد ، تلتقط فضلات الروح هنا وهناك ،

وتحاول أن تتابع السير بخطى متثاقلة فتشدها دنيا المطالب نحو حفرات المواجع .

تعبت النفس وتأوهت وغدت تئن بمصابها عند مفترقات الملذات الدنيئة ،

تحاول جعلها دواء مسكنا لكن هيهات لها من الشفاء .

تاهت الطرق ، وضاعت الرؤى ، وأغشى ظلام الركود على حقائق الفضاء اللامع ،

لم تثقب بنور بصيرتها غمام السماء لأنها بصيرتها غائرة في أعماق الصور الدنيئة ،

والغايات الرخيصة ،

فارتضت عيش الهوان وتثاقلت عن السير نحو غايات القصور العالية المشرفة ،

وبقيت تتفيأ ظلا ، فزال الظل البائد ، وبقيت تتلوى من فرط العذاب

وتبكي أياما ضاعت بلا زاد فولت ذاهبة دون رجوع .

عاشت النفس هذا العذاب وظنت أن الظل ولى ولكن !

تدور عجلات الزمان ، وتعيد الأيام سيرتها ،


فهذا رمضان وقد أخذت أنسامه الإيمانية تلطف الروح بومضات ربانية ،

زاكية النفس التي تاهت زمنا مع متاهات الأيام الغادرة .

أخذت أنسامه تلطف صدأ الروح ، فتحفه بأعمال العبادة ، وتذهب عنه الصدأ القاتل ،

وتعود للروح ومضاتها وللنفس تجلياتها ،

وتتوالى أيام رمضان ، فيدخل إلى أعماق النفوس فيعيد جلاءها ،

ويثبت الصفاء والاطمئنان فيها فتنطلق نحو عالم الإيمان ، ترتقي في فضاء الإحسان ،

وتستقر في علياء الغيب يحدوه عالم الشهادة إلى مستقر النفس المطمئنة ،

وتتحرك اللوامة لتبتسم لرمضان وتقول له أهلا بمن أكرم وتفضل ،

أهلا بمن تبسم فأجزل ،

وتنتشي الروح من جديد ، في عالم العروج الجميل ،

لتلتقي من جديد على مائدة القرآن ، بالملائكة الكرام في وحدة إيمانية ،

تربط الأرض بالسماء ، تتلو كلام الله ، فترتقي هناك ، حيث الجنة تتهيأ ،

في عالم نوراني سعيد ، تستقبل المؤمنين الطائعين التائبين ،

الباكين الخاشعين ، الذارفين دموع الندم ،

والمجددين العهد مع الله .

في موكب الصائمين ، يفتح الريان للدخول إلى المستقر الدائم ،

يغشاهم الرضوان ، ويرضى عنهم الله الخالق الرحمن .

لله أنت يا رمضان

كم غفل عنك أناس ظنوا أن السعادة في لذة عابرة ودنيا هادرة

ولكن هيهات هيهات ، فالسعادة هنا .. هنا في رمضان ..

في هدوء النفس وطمأنينة الروح ..

في السكينة الوادعة ..

يلقيها رمضان على قلوب المؤمنين فتستحيل بعد الرقاد قياما ...