كيف حالك؟
سؤال نوجهه ونستقبله أكثر من مرة، وربما عشرات المرات في اليوم، سواء مواجهة أو عبر الهاتف. لكننا نادراً ما نفكر إن كان من يطرح السؤال صادقاً في الطرح أم لا، كما لا نفكر إن كانت الإجابات التقليدية التي نرد بها على السؤال صادقة هي الأخرى أم لا.
في كل لهجاتنا العربية يوجد هذا السؤال، مثلما يوجد في اللغات الأخرى، باختلافات في الصيغة تتوقف على ثقافة السائل والمسؤول والتوازن الاجتماعي بينهما، فالأعلى يسأل السؤال عارياً من دون ألفاظ التفخيم، وربما بلا اهتمام واضح في النبرة والطريقة، وبلا اهتمام في سماع الإجابة، بينما ينطق الأدنى السؤال بتفخيم واهتمام يحرص على أن يبدو حقيقياً.
وفي كل الأحوال تأتي الإجابة غير حقيقية، أياً كانت اللغة المستخدمة في الرد، طبقاً لثقافة وتوجهات من يرد أو من ترد: منيح، نشكر الله، ممتاز، بيرفكت، خير من الله إلخ إلخ.
ونادراً ما يفكر أحد من السائلين بإعادة السؤال، والتأكيد على أنه يعنيه حقيقة ويهمه أن يعرف، ساعتها سينهار من يتلقى السؤال، وربما يبكي، لأن السؤال تخطى المجاملة الروتينية إلى الاهتمام المباشر الذي يشجع الإنسان على كشف روحه أمام الآخرين.
وربما يكون تعري الروح أصعب على البشر من تعري الجسد، ومع ذلك فإن الرغبة في البوح لا تعادلها رغبة، وهذا هو الذي يطلق ألسنة الناس في الفضفضة مع غرباء لا يعرفونهم ولا يتوقعون رؤيتهم ثانية.
ولابد أن كلا منا صادفت، أو صادف، مواقف من هذا النوع في رحلة بالباص أو القطار أو في صالات الانتظار بالمطارات وفي التاكسي، ولذلك يختزن سائقو التاكسي الآلاف من الحكايات التي يتلقونها من راكب ويحكونها لآخر وكأنها أمثولة أو عظة من قصة خيالية.
وقد بدأت الإنترنت منذ شيوع استخدامها في لعب دور أماكن المصادفات المشجعة على البوح، حيث يستطيع الناس أن يقولوا الحقيقة لأناس مجهولين أو حتى معروفين بالنسبة لهم، ولكنهم يتشجعون لمجرد أن الآخر لا يستمع إلى البوح في لحظة التفوه به، ولا يقتحمه بعينيه.
وقد أثبتت دراسة حديثة أجريت بين عينة من البريطانيين، أن شبكة الإنترنت تجعلهم يظهرون مشاعرهم الحقيقية.
واهتمت الدراسة بتصنيف أفراد العينة حسب طبائعهم الشخصية، حيث توصلت إلى أن الرومانسية سمة سبعة وأربعين بالمئة من مستخدمي الإنترنت البريطانيين، والسعداء واحد وعشرون في المئة، أما الحزانى فهم ستة بالمئة فقط!
والمهم أن الدراسة التي نشرتها صحيفة «سكوتلند أون صنداي» البريطانية أثبتت أن 20 في المئة من البريطانيين اعترفوا بأنهم أكثر ميلاً لأن يكونوا صادقين في شأن مشاعرهم الحقيقية حين يُسألون: «كيف حالك؟» أثناء استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية أو البريد الإلكتروني. وأثبتت أن واحداً من بين كل عشرة من مستخدمي مواقع الشبكات الاجتماعية اعترفوا بأنهم نشروا تعليقات حول شعورهم على الأقل مرة واحدة يومياً، واعترف 32 في المئة منهم بأنهم فعلوا هذا الشيء على الأقل مرة واحدة في الأسبوع.
عشرون بالمئة فقط، أي أن واحدًا فقط من بين خمسة اعترف باستعداده وميله لإظهار مشاعره الحقيقية وواحداً من بين عشرة تشجع وقالها مرة في اليوم، وهذا جيد إذا وضعنا في اعتبارنا أن البريطانيين من أكثر الشعوب المشهورة بتحفظها وإخفاء مشاعرها الحقيقية.
ولابد أن نفكر في ضرورة قول الحقيقة أحياناً؛ لأن ذلك مفيد من أجل الصحة النفسية.
والآن: كيف الحال؟